وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّۭا
﴿٦٤﴾سورة مريم تفسير السعدي
استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرة في نزوله إليه فقال له: " لو تأتينا أكثر مما تأتينا " , شوقا إليه, وتوحشا لفراقه, وليطمئن قلبه بنزوله.
فأنزل الله تعالى على لسان جبريل " وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ " أي: ليس لنا من الأمر شيء, إن أمرنا, ابتدرنا أمره, ولم نعص له أمرا, كما قال الله عنهم: " لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " فنحن عبيد مأمورون.
" لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ " أي: له الأمور الماضية والمستقبلة والحاضرة, في الزمان, والمكان.
فإذا تبين أن الأمر كله لله, وأننا عبيد مدبرون, فيبقى الأمر دائرا بين " هل تقتضيه الحكمة الإلهية " ؟ فينفذه, أم لا تقتضيه فيؤخره " ؟ ولهذا قال: " وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا " أي: لم يكن لينساك ويهملك, كما قال تعالى: " مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى " بل لم يزل معتنيا بأمورك, مجربا لك على أحسن عوائده الجميلة, وتدابيره الجليلة.
أي: فإذا تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد, فلا يحزنك ذلك, ولا يهمك, واعلم أن الله هو الذي أراد ذلك لما له من الحكمة فيه.